فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لئنْ اتبعتم شُعَيْبًا} أي لأن أطعتم شعيبًا في دينه {إِنَّكُمْ إِذًا لخاسرون} يعني: جاهلون.
فلما وعظهم شعيب، ولم يتعظوا أخبرهم أن العذاب نازل بهم.
فلم يصدقوه.
فخرج شعيب ومن آمن معه من بين أظهرهم فأصابهم يعني: أهل القرية حر شديد، فخرجوا من القرية، ودخلوا غيضة كانت عند قريتهم وهي الأيكة كما قال الله تعالى في آية أُخرى: {كَذَّبَ أصحاب لْأيْكَةِ المرسلين} [الشعراء: 176] فأرسل الله تعالى نارًا فأحرقت الأشجار ومن فيها من الناس.
ويقال: أصابتهم زلزلة فخرجوا، فأتتهم نار فأحرقتهم، وذلك قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} يعني: الزلزلة والحر الشديد فهلكوا واحترقوا {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} يعني: صاروا ميتين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتبعتم شُعَيْبًا} وتركتم دينكم {إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ} قال ابن عباس: مغبونون. قال عطاء: جاهلون. قال الضحاك: فجرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبًا إنكم إذًا لخاسرون} أي قال بعضهم لبعض أي كبراؤهم لاتباعهم تثبيطًا عن الإيمان: {لئن اتبعتم شعيبًا} فيما أمركم به ونهاكم عنه، قال الزمخشري: فإن قلت: ما جواب القسم الذي وطأته اللام في {لئن اتبعتم} وجواب الشرط؟ قلت: قوله: {إنكم إذًا لخاسرون} سادّ مسدّ الجوابين انتهى، والذي تقول النحويون إنّ جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ولذلك وجب مضي فعل الشرط فإن عنى الزمخشري بقوله سادّ مسدّ الجوابين إنه اجتزىء به عن ذكر جواب الشرط فهو قريب وإن عنى به أنه من حيث الصناعة النحوية فليس كما زعم لأن الجملة يمتنع أن تكون لا موضع لها من الإعراب وأن يكون لها موضع من الإعراب {وإذا} هنا معناها التوكيد وهي الحرف الذي هو جواب ويكون معه الجزاء وقد لا يكون وزعم بعض النحويين أنها في هذا الموضع ظرف العامل فيه {لخاسرون} والنون عوض من المحذوف والتقدير أنكم إذا اتبعتموه {لخاسرون} فلما حذف ما أضيف إليه عوض من ذلك النون فصادفت الألف فالتقى ساكنان فحذف الألف لالتقائهما والتعويض فيه مثل التعويض في يومئذ وحينئذ ونحوه وما ذهب إليه هذا الزاعم ليس بشيء لأنه لم يثبت التعويض والحذف في {إذا} التي للاستقبال في موضع فيحمل هذا عليه، {لخاسرون} قال ابن عباس: مغبونون، وقال عطاء: جاهلون، وقال الضحاك: عجزة، وقال الزمخشري: {لخاسرون} لاستبدالكم الضلالة بالهدى لقوله: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم} وقيل تخسرون باتباعه فوائد البخس والتطفيف لأنه ينهاكم عنه ويحملكم على الإيفاء والتسوية انتهى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ}.
عطفٌ على قال الملأ الذين الخ، ولعل هؤلاء غيرُ المستكبرين ودونهم في الرتبة شأنُهم الوساطةُ بينهم وبين العامةِ والقيامُ بأمورهم حسبما يراه المستكبرون، ويجوز أن يكون عينَ الأولين، وتغييرُ الصلةِ لما أن مدارَ قولِهم هذا هو الكفرُ كما أن مناطَ قولِهم السابقِ هو الاستكبارُ أي قال أشرافُهم الذين أصروا على الكفر لأعقابهم بعد ما شاهدوا صلابةَ شعيبٍ عليه السلام ومن معه من المؤمنين في الإيمان وخافوا أن يستتبعوا قومَهم تثبيطًا لهم عن الإيمان به وتنفيرًا لهم عنه على طريقة التوكيدِ القسَمي والله: {لَئِنِ اتبعتم شُعَيْبًا} ودخلتم في دينه وتركتم دينَ آبائِكم {إِنَّكُمْ إِذًا لخاسرون} أي في الدين لاشترائكم الضلالةَ بهداكم أو في الدنيا لفوات ما يحصُل لكم بالبخْس والتطفيف، وإذن حرفُ جوابٍ وجزاء معترِضٌ بين اسم إن وخبرِها والجملةُ سادةٌ مسدَّ جوابي الشرطِ والقسمِ الذي وطَّأَتْه اللام. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ}.
عطف على {قَالَ الملأ} [الأعراف: 88] إلخ والمراد من هؤلاء الملأ يحتمل أن يكون أولئك المستكبرين وتغيير الصلة لما أن مناط قولهم السابق هو الاستكبار ويكون هذا حكاية لإضلالهم بعد حكاية ضلالهم على ما قيل، ويحتمل أن يكون غيرهم ودونهم في الرتبة شأنهم الوساطة بينهم وبين العامة والقيامة بأمورهم حسبما يراه المستكبرون، أي قالوا لأهل ملتهم تنفيرًا لهم وتثبيطًا عن الايمان بعد أن شاهدوا صلابة شعيب عليه السلام ومن معه من المؤمنين فيه وخافوا أن يفارقوهم {لَئِنِ اتبعتم شُعَيْبًا} ودخلتم في ملته وفارقتم ملة آبائكم {إِنَّكُمْ إِذًا لخاسرون} أي مغبونون لاستبدالكم الضلالة بالهدى ولفوات ما يحصل لكم بالبخص والتطفيف فالخسران على الأول استعارة وعلى الثاني حقيقة وإلى تفسير الخاسرين بالمغبونين ذهب ابن عباس، وعن عطاء تفسيره بالجاهلين، وعن الضحاك تفسيره بالفجرة؛ وإذا حرف جواب وجزاء معترض كما قال غير واحد بين اسم إن وخبرها.
وقيل: هي إذًا الظرفية الاستقبالية وحذفت الجملة المضاف إليها وعوض عنها التنوين، ورده أبو حيان بأنه لم يقله أحد من النحاة، والجملة جواب للقسم الذي وطأته اللام بدليل عدم الاقتراب بالفاء وسادة مسد جواب الشرط وليست جوابًا لهما معًا كما يوهمه كلام بعضهم لأنه كما قيل مع مخالفته للقواعد النحوية يلزم فيه أن يكون جملة واحدة لها محل من الإعراب ولا محل لها وإن جاز باعتبارين. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}.
عُطفت جملة: {وقال الملأ} ولم تفصل كما فصلت التي قبلها لانتهاء المحاورة المقتضية فصل الجمل في حكاية المحاورة، وهذا قول أنف وجه فيه الملأ خطابهم إلى عامة قومهم الباقين على الكفر تحذيرًا لهم من اتباع شعيب خشية عليهم من أن تحيك في نفوسهم دعوة شعيب وصدْق مجادلته، فلما رأوا حجته ساطعة ولم يستطيعوا الفلج عليه في المجادلة، وصمموا على كفرهم، أقبلوا على خطاب الحاضرين من قومهم ليحذروهم من متابعة شعيب ويهددوهم بالخسارة.
وذِكْرُ {المَلأ} إظهار في مقام الإضمار لبعد المعاد.
وإنّما وصف الملأ بالموصول وصلته دون أن يكتفي بحرف التعريف المقتضي أن الملأ الثاني هو الملأ المذكور قبله، لقصد زيادة ذم الملأ بوصف الكفر، كما ذم فيما سبق بوصف الاستكبار.
ووصف {الملأ} هنا بالكفر لمناسبة الكلام المحكي عنهم، الدال على تصلبّهم في كفرهم، كما وصفوا في الآية السابقة بالاستكبار لمناسبة حال مجادلتهم شعيبًا، كما تقدم، فحصل من الآيتين أنّهم مُستكبرون كافرون.
والمخاطب في قوله: {لئن اتّبعتم شعيبًا} هم الحاضرون حين الخطاب لدى الملإِ، فحُكي كلام الملأ كما صدر منهم، والسياق يفسر المعنيين بالخطاب، أعني عامّة قوم شعيب الباقين على الكفر.
واللام موطّئة للقسم.
و{إنكم إذا لخاسرون} جواب القسم وهو دليل على جواب الشرط محذوف، كما هو الشأن في مثل هذا التركيب.
والخُسران تقدم عند قوله تعالى: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم} في سورة الأنعام (140).
وهو مستعار لحصول الضر من حيث أريد النفع، والمراد به هنا التحذير من أضرار تحصل لهم في الدنيا من جراء غضب آلهتهم عليهم، لأن الظاهر أنّهم لا يعتقدون البعث، فإن كانوا يعتقدونه، فالمراد الخسران الأعم، ولكن الأهم عندهم هو الدنيوي. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}.
وهنا يقول الملأ من قوم مدين لمن آمنوا ولمن كان لديهم الاستعداد والتهيؤ للإِيمان محذرين لهم من اتباع شعيب حتى لا يظل الملأ والكبراء وحدهم في الضلال:
وساعة نرى اللام في لئن نعلم أن هنا قَسَمًا دلّت عليه هذه اللام. وهنا أيضًا إن الشرطية، والقسم يحتاج إلى جواب، والشرط يحتاج كذلك إلى جواب، فإذا اجتمع شرط وقسم اكتفينا بالإِتيان بجواب المتقدم والسابق منهما، مثل قولنا: والله إن فعلت كذا ليكونن كذا: {لَئِنِ اتبعتم شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ}.
وماذا سيخسرون؟ سيخسرون لأنهم كانوا سيأخذون أكثر من حقهم حين يطففون الكيل ويخسرون الميزان، والقوي يأخذ من الضعيف؛ فإذا ما ارتبطوا بالمنهج واتبعوه خسروا ما كانوا يأخذونه من تطفيف الكيل وبخس وخسران الميزان بمنهج. وهذه هي الخسارة في نظر المنحرف. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُون}.
{إذن} حرفُ جواب وجزاء، وقد تقدّم الكلام عليها مُشْبعًا وهي هنا معترضة بين الاسم والخبر، وقد توهمَّ بعضهم فجعل إذن هذه إذا الظرفية في الاستقبال نحو قولك: ألْزِمُك إذا جئتني أي وقت مجيئك.
قال: ثم حُذِفَت الجملة المضافةُ هي إليها، والأصل: إنكم إذا اتبعتموه لخاسرون، ف {إذا} ظرف والعاملُ فيه {لخاسرون}، ثم حذفت الجملة المضافة إليها وهي اتبعتموه، وعُوِّضَ منها التنوين، فلما جيء بالتنوين وهو ساكن التقى بمجيئه ساكنان، هو والألفُ قبله، فحُذِفَت الألفُ لالتقاء الساكنين، فبقي اللفظ إذن كما ترى.
وزعم هذا القائل أن ذلك جائز بالحَمْل على إذا التي للمضيّ في قولهم: حينئذٍ ويومئذٍ فكما أن التنوين هنا عوض عن جملة عند الجمهور كذلك هنا.
وردّ أبو حيان هذا بأنه لم يَثْبُتْ هذا الحكم لإذا الاستقبالية في غير هذا الموضع فيحمل هذا عليه.
قال شهاب الدين: وهذا ليس بلازم إذ لذلك القائل أن يقول: قَد وَجَدْتُ موضعًا غير هذا وهو قوله تعالى: {إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ} [يوسف: 79].
وقد رأيت كلام القرافي في قوله صلى الله عليه وسلم لمّا سألوه عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص الرُّطبُ إذا جفَّ؟ فقالوا: نعم.
فقال: فلا إذن أن إذن هذه هي إذا الظرفية، قال: كالتي في قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] فحذفت الجملة، وذكره إلى آخره.
وكنت لمّا رأيته تعجبت غاية العجب كيف يَصْدرُ هذا منه حتى رأيته في كتاب الشيخ في هذا الموضع عن بعضهم ولم يُسَمِّه، فذهب تعجبي منه، فإن لم يكن ذلك القائلُ القرافيَّ فقد صار له في هذه المسألة سَلَفٌ، وإلاَّ فقد اتحد الأصل، والظاهر أنه غيره.
وقوله: {إنكم} هو جواب والقسم الموطَّأ له باللاَّم.
وقال الزمخشري: فإن قلت: ما جوا بالقسم الذي وطَّأتْه اللام في قوله: {لَئِنِ اتبعتم شُعَيْبًا} وجوابُ الشرط؟.
قلت: قوله: {إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُون} سادٌّ مسد الجوابين.
قال أبو حيان: فالذي قاله النحويون: إن جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، ولذلك وجب مُضِيُّ فعل الشرط فإن عَنَى بأنه سادٌّ مَسَدَّهما أنه اجْتُزِئ بذكره عن ذكر جواب الشرط فهو قريب، وإن عنى من حيث الصناعة النحوية فليس كما زعم، لأن الجملة يمتنع ألا يكون لها محل من الإعراب وأن يكون لها محلٌّ من الإعراب.
وهذه المسألة قد تقدَّمَتْ مِرارًا واعتراض الشيخ عليه، وتقدَّم جوابه ويعني الشيخ بقوله: لأنَّ الجملة يمتنع أن يكون لها محلٌّ من الإعراب إلى آخره؛ لأنها من حيث كونها.
جوابًا للشرط تستدعي ألا يكون لها محل إذ الجملة الابتدائية لا محل لها. اهـ.